مشهد بعنوان “الأمل الأخير”
بقلم: شهد كمال
“الأمل الأخير”
أبي هل تسمعني؟ أفتقدك لتربيتة يديك على كتفي، لابتسامتك التي تظهر بمجرد النظر إلي، لتوبيخك لي، لتحذيراتك الدائمة، لدفء حضنك، لأمان عيونك. أتذكر اليوم الذي اتصلت فيه لتخبرني أنك موافق على قيامي بهذه الرحلة، وأتذكر أيضًا كلماتك الرقيقة: “اذهب. يا بني اذهب واستمتع بالأمر ولا تفعله، وسوف أقلق على كل شيء آخر. لا أستطيع أن أقول وداعا لك لأنني لست متأكدا من أنني سأنتظرك. وداعا يا ابني.
-أبي ماذا تقول؟
– لا شيء يا ابني، ناهيك عن ما أتحدث عنه، فهو ليس مهما
-ابي
-ما الأمر يا عزيزتي؟
-سوف تنتظرني، أليس كذلك؟
شاهد: اقرأ رواية ميرال
-أعتقد أنك لن تجدني. يوبخني قلبي لأنني سمحت لك بالذهاب إلى هذه النزهة ويجبرني على الاستمتاع بوجودك بجانبي. على الأقل سأموت وأنت بجانبي، لكن نظرة الفرح التي في عينيك تكفيني.
جعل الله يومي أمام يومك يا أبي، وأطال في عمري. لا تقلق يا أبي. سوف تتزوجيني وتنجبي أطفالي. لا تقلق.
لا أعرف من أين حصلت على هذه الأنانية في ذلك الوقت، لكن أصدقائي أحاطوا بي. إذا لم أتمكن من إقناع والدي بالذهاب معهم، فلن أكون رجلاً في نظرهم. أعترف بأنني كنت مخطئا، لكن بحكم طبيعتي كرجل شرقي اضطررت للرحيل، وذهبت، ولم أتنازل عن قراري، ولا حتى بسبب نظرات والدي المفعمة بالأمل بالبقاء. بجانبه، وعلى عكس كل ما توقعته، لم أحظ بأي متعة خلال الأيام الخمسة. كنت أتصل بوالدي كل يوم للاطمئنان عليه، وجاء اليوم المنتظر. كان هذا هو اليوم الأخير الذي سنعود فيه إلى المنزل. اتصلت بوالدي قبل أن أصعد إلى الحافلة وأخبرته أنني لن أتأخر.
ومرت ساعات قليلة ثم وصلنا إلى مدينتنا. لم أودع أصدقائي، فقط ابتسمت وركضت إلى منزلي.
وبمجرد وصولي إلى منزلنا، سمعت صراخًا وعويلًا. ابتلعت قلبي رهبة وأقنعت نفسي أن تلك الصرخات لا علاقة لها بوالدي. أسرعت إلى الطابق العلوي، وحالما وصلت تجمدت عروقي، وربطت قدماي وحبست أنفاسي. لم أستطع أن أقول كلمة واحدة عندما رأيت والدي ملفوفًا بكفن أبيض، ثم ذرفت الدموع. مر وقت طويل وأنا هناك على تلك الحالة، ثم حجبت صرخاتي النجوم. اقتربت من والدي وظللت أحركه يمينًا ويسارًا على أمل أن يستيقظ. أعمامي أبعدوني عنه بصعوبة. استيقظت مبحوحًا نتيجة صرخاتي العالية: أبي، استيقظ يا أبي. جئت إلى هنا. استيقظ، لا تتركني. الرجاء وحده
لقد أخطأت عندما تركتك. إرجع من فضلك. فقط أعود لمعاقبتي. لن أستطيع العيش بدونك. هيا يا أبي. أنا لست معتادًا على أن تطلب مني القيام بشيء ما ولا أفي به. والدي، والدي، والدي. تريدني أن أواصل حياتي وحدي. تريدني أن أبكي ولا أجد من يجفف دموعي. تريدني أن أحتاجك ولا أتمكن من العثور عليك. تعال يا أبي، فليس لي أحد بعدك، وليس لي أحد غيرك. ليس لي من يعزّي وحدتي ويرافق وحدتي. هيا يا أبي، فقط قم وعانقني، فقط لتحتضنني، لتعلمني كيف هي الحياة بدونك، هيا..!