مشاعر
بقلم: شيماء وجيه
في كل مرة أتحدث إليك أشعر وكأنني فقدت شيئًا من نفسي. غيابي وحضوري لا يشكل فرقاً بالنسبة لك. عندما أنظر في عينيك أشعر وكأنني أتحدث مع شخص آخر لا أعرفه، وعندما أقرأ هذه الرسائل بيننا أشعر وكأنني أتحدث مع خيال في عقلي نسجه الخيال بداخله.
وبين هذا وذاك أشعر أنني عالق في المنتصف، وأنا يا سيدي ضائع في سحاب الحب. بين يديك فقط تعلمت أبجدية كلمة “أحبك”، ورغم أنني أعلم أنك لن تكون لي أبدًا، إلا أنني أضمك في حضني، لكنك لم تحبني أبدًا ولن تحبني أبدًا، طالما كما أعيش. لقد رأيتك في حلمي تخبرني بذلك، لذا أطلب منك أن تتوقف عن إيذائي كما آذيت نفسي عندما وقعت في حبك.
.
كانت الليلة الأولى بعد الصدمة كارثية، وكأن روحي قد فارقتني إلى الأبد. لو أن تلك السكين الصدئة غرست فيه، لما شعرت برعشة تشبه ارتعاش الفقير في الشتاء، أو مثل هذا الزلزال الذي قلب الدنيا رأساً على عقب. لماذا جعلتني مثل فلسطين؟ المحتل سعيد برحيل المستعمر الوشيك؟!
لماذا أحسستني بأني هزمت الفرس والروم؟ أن نفتح كل الأبواب المغلقة بيننا؟! لماذا جعلتني أشعر وكأنني أتسلق القلعة المليئة بالحراس وفي آخر خطوة شعرت وكأن رأسي قد تحطم؟! لماذا جعلتني أشعر أن الحياة قد نشأت في داخلي ثم وضعت يديك على هذا القلب اليتيم من كهفه؟! وكأنني ضربت بمطرقة عرضها السماء والأرض، فإنني أنظر إليك الآن نظرة أتوسل إليك أن تجعل من حياتي راحة بعد أن سلبت مني تلك الراحة ياقلبي.
.
لقد هدأت العقل وكأن القلب لم يعد كافيا؛ حتى سيطرت على شخص قال لي ذات مرة: لا تقع في زرقة عيونهم، ولكن فات الأوان على أن تتفق القلوب والعقول لأول مرة، وكأن لم يبق شيء، ما لم تفعله. ولا أتحكم وكأن كل ذرة من كياني تنطق اسمك آلاف المرات في اليوم وأنا أهذي. كل ليلة أتعرق كالمصاب بالحمى حتى أشم رائحتك من جديد، وأبدأ أرى كل النساء متساويات، وكأنك الوحيدة التي خلقت من ضلع حواء. لا ترجع مرة أخرى، لئلا أنسى أنك ذبحتني ومت من ألم شوقي، فركضت إليك مرة أخرى وقد دهست كرامتي تحت قدميك.
ماذا لو كان حلما؟! أردت أن أعيش هذا الحلم بكل تفاصيله. كنت أكشف كل الكلمات التي كنت أكتبها في دفتري كل يوم حتى كاد يختنق من الألم الذي أكشفه له. لأنظر إليك بعين من ردت إليه روحه بعد أن قبضت منه. أردت أن أشرب منك وكأنني في صحراء قاحلة. ولم يبق لي قطرة ماء. سأبكي بين ذراعيك وأودع كل العثرات التي قيدتني دون أن أنحني لها. كنت أبتسم لملامحك، ابتسامة الحبيب بعد اللقاء وأخبرك أنني أضمك بين ذراعي، ولكن أخشى أن يحرمني الله منك إن لم أطعه!
أود أن أذكرك بالأيام الخوالي التي بيننا عندما كنا نجلس معًا في تلك الزاوية الخلفية ونتبادل هذه الأحاديث بيننا وأنت تدردش كعادتك، ظللت أنظر إلى عينيك التي تشبه فنجان القهوة أمامي، و وأنا أنظر إلى تلك الشفاه المفترقة بابتسامة سرقت نبض قلبي من مكانه. سأعترف. أنت عن ذلك اليوم الذي جئت فيه وحدي ونظر إلي هذا النادل وعلامات الاستفهام على شفتيه، ثم تعمدت ألا أنظر إليه، وطلبت تلك القهوة، كما كانت عادتي عندما كنا معًا، وجلست في نفس المكان الذي جلسنا فيه معًا، وعندما رفعت عيني لأنظر إليك، تفاجأت بعدم وجودك هناك!
وكأن ما مضى هو بناء من الخيال صنعته في مخيلتي، فرحم الله قلبي الذي يحبك عندما يستيقظ من حلمه.
كيف تتركني وحدي في هذه الحياة؟! ألم نتعاهد معًا أن نعيش معًا ونموت معًا؟! لماذا تركتني، وفي وقت مبكر جدا؟ لماذا تركتني فجأة وكأنك تعاقبني على تلك المحادثة التي أجريناها هذا الصباح؟! نار الغيرة تكاد تحرقني، وكنت وكأنك تتعمد إشعال تلك النار. لماذا نقضت هذا العهد بيننا؟!
ألا تعلم أنني بدونك كالغريق الذي لا يعرف السباحة؟! منذ أن علمت بأمر البرق، ضحكت أحيانًا كالأحمق وأحيانًا بكيت كطفل، ثم ركضت إلى قبرك ولمست ذلك التراب وكأنني ألمس روحك. لقد أخذت قلبي يوم تركتني بتلك القسوة، ومنذ ذلك الحين أقسمت لذلك القلب أنه لن يرى النور أبدًا.
هناك تناقض بين تلك الابتسامة على وجهك وبين الدموع التي تهدد بالتدفق من مقلتيك، والتي يمكنك أن تخدع بها الجميع إلا أنا، لأنني يا حبيبي أعرف همساتك وعدد أنفاسك.
هل تعلمين أنني عندما حملتك بين يدي نظرت إلي بنظرة لن أنساها ما حييت، وكأنك تخبريني أنك منذ تلك اللحظة أصبحت ملكتي، وكأنني كنت أنتظر الجميع. السنوات التي أتيت فيها إلى هذه الدنيا ووقعت في حبي عندما كنت مجرد طفل في المهد حتى أعرف متى تكون ابتسامتك؟! متى ستحزن؟ قد تظن أنني أحمق ولم أدرس أي كتب في الفلسفة أو علم النفس. ولكني درست أروقة الجميع حتى عرفت ما وراء كل وجه. صدقوني، ليس هناك مفر من الاعتراف.
صديقي؛ سنعالج هذا الألم معًا ونتغلب عليه معًا، كما لو كنا عابري سبيل نزلنا لنرتشف بضع قطرات من الماء ثم نكمل رحلتنا. ستكون هناك أيام عجاف، وليس سنوات، وسنتذكر هذه الذكريات، ونبتسم لأنفسنا، ونقول لهم: ماذا كنا نفعل في ذلك الوقت؟! ألسنا بلا عقول؟! أم أننا أسلمنا قلوبنا؟!
سيأتي الذي عمل في قلبك ليحيي قلبك عندما لم يكن لك، فتبتسم. لأنك تحملت كل هذا الألم ليعوضك الله بشيء أفضل، ويدين الحب الذي جعلك أحمقاً.
أنت مازلت في بداية حياتك وجعلك تظن أن الحب ينتهي مع أحدهما، وسأجيبك: أنت أحمق. لأنك سمحت لهذا الحب أن يعمل فيك مثل السلاطين على العبيد. أزل هذا العمى عن نفسك. من يريدك سيقاتل حتى يصل إليك. أنا حقا أشعر بالسوء بالنسبة لك.
في كل رسالة منك أشعر بنبض قلبك يكاد يخرج من قلبي، وفي كل مرة تدافعين عنه وكأنك تدافعين عن أسطورة قديمة تخشى أن يحتلها المغول، وأنت، أليس كذلك؟ نفسه؟ تكاد تفقد نفسك من التعب الذي أصابك! اللعنة، لن أتركك أبدًا لأجهزتك الخاصة. ستدين لي بشيء حقًا عندما أخرجك من الخسارة التي وضعت نفسك فيها. ثم أسمح لك أن أشكرك وأقدرك.
لماذا أحببتني؟!
أم تسأل يا نبض القلب ورفيق الدرب؟!
أم أنك تسأل وأنت الذي أجد الراحة بين ذراعيه؟!
أم تسأل كما يجري دمي من عرق إلى عرق؟! وأنت الذي أرى في عينيه كل دفء العالم، وأنت الذي تحتضن ألمي وألمي، وأنت الذي لن تتركني عندما يتركني العالم، وأنت الذي يا من تقلب الدنيا رأساً على عقب عند رحيلي، وأنت من سعدت بي رغم أن العالم رفضني، وأنت الذي لم تر ولن ترى الحياة بدونها . وأنت الذي تتحمل وقت ألمي ووقت انهياري
الوقت الذي أبكي فيه والوقت الذي أتحول فيه من شخص إلى آخر وبنظرة عينيك أشعر أني أملك الدنيا بين يدي وبالابتسامة على شفتيك أشعر أن القدر قد ابتسم لي، وبقطرة دمعة تتساقط من جفونك أشعر أن روحي فارقتني للأبد لأنك أنت الذي بين عينيها. أعيش وأتنفس بين حروفه وأذوب بين حنانه
وأنت الذي عندما رأتني حزيناً رجعت قلبي كأني خائن، وأنت الذي أهديتني روحك حتى عندما رآني العالم شخصاً لا يستحقها، أستطيع عش، يمكن أن تعيش، أنت الذي لم ترى فيَّ عيبًا واحدًا، وأنا الذي أحمل معي من الذنوب مثل زبد البحر. بالله عليك تسأل؟! فوالله ما رأت عيني أجمل منك، ولم تسمع أذني شيئاً أجمل من همسك، ولم أذق نعيم الحياة إلا بين يديك. سلبني الله حياتي وقتلني في شيخوختك، لأنني بدونك لا أستطيع التنفس. أم مازلت تسأل؟!